أ. مروان حبش
.
ليس أالإنسان حيواناً سياسياً عن رضى وطواعية، فالفرد من الجماعة لا يتحد مع الآخرين مدفوعاً برغبته بقدر ما يتحد معه بحكم الظروف القاهرة والضرورة الاجتماعية، لأن اعتزاله بعرضه للخطر، ولأن ثمة أشياء كثيرة يمكن أن يجود أداؤها بالتعاون أكثر مما يجود بالانفراد، ولو جرت الأمور على ما يشتهي الإنسان لكان على الأرجح ألا تقوم للدولة قائمة.
الدولة دعامة وقوة منظمة لا غنى عنها، وهي أداة تُوائم بين مصالح قوى المجتمع بقوانين توجب الاحترام والعمل وفقها لتثبيت أركان السلم الاجتماعي، ولِبَثّ التماسك وسلوك الولاء للوطن والفخر به في نفوس مواطنيه، لا أن تلجأ السلطة الحاكمة إلى تحويل سلطتها إلى تسلط بفرض قوانين تبلور سلطاتها، بل إلى قوانين وممارسات تحقق الحرية والسلم المجتمعي والكسب الموفور والرفاه والازدهار للمواطن والمجتمع، والاعتراف بحقوق المواطنين الطبيعية لتستميلهم إلى قبول القوانين ومناصرة الدولة. ,بما يحفظ لهم – وهم الذين يفكرون ويعملون- عقولهم في رؤوسهم، وإلا اضطر العقل أن يتردد إزاء كل شيء وسرعان ما يلوذ بالجنون مهرباً.
قامت الدولة من أجل تحقيق العدل بتطبيق القواعد العامة بنزاهة وبدون تحيز أو محاباة، بمعنى أن الأجهزة التي تتولى تطبيقها تطلقها بدون تمييز أو خوف أو محاباة على جميع الحالات التي تطالها هذه لأحكام.
ومن غايات الدولة ارتباطها بفكرة العدل والعمل على تحقيقها، انطلاقاً من أن العدل قيمة خلقية يسعى إليها الإنسان لتحقيق حياة هنيئة.
إن طابع الدولة هو طابع المؤسسات التي تعمل مجردة عن الشخصنة في ظل نطام قانوني يحتكر الشرعية وبذلك يظل المواطن ملتزماً بشرعيتها، وبدون هذا الإيمان غير المنتزع فإن السلطة غير الشخصية وغير الذاتية ستتوقف عن العمل وتحل محلها الفوضى والاضطراب. لأن السلطة بمعناها الأوسع وبمعناها القانوني خاصة، يجب أن تستند إلى إيمان حازم بشرعيتها. والقانون ليس مجرد تلك الأحكام والقواعد التي يفرضها القسر لأنه في هذه الحالة هو إساءة فهم لدوره، وينتهك مبادئ القيم السامية للمجتمع من ناحية، ويحطم نفسه من ناحية أخرى.
إن الغاية من سلطات الدولة، هو العمل لما يخدم المواطن لزيادة سعادته، انطلاقاً من أن سعادة كل مواطن مساوية لقيمة سعادة أي مواطن آخر، وارتباطها بفكرة الحرية بما لها من وظيفة حقيقية كبرى في سلم القيم وبمفهوم المساواة في المجتمع.
إن صياغة معايير أساسية وإلباسها أبهة الوثيقة الدستورية شيء، وعدم التزام المعنيين بهذه المعايير بالتقيد بها فعلاً والعمل وفقها شيء أخر، وذلك يعني امتناع سلطات الدولة عن اتخاذ الإجراءات الملائمة لحماية حقوق المواطنين الطبيعية في الحياة الحرة الكريمة وفي رغد العيش وحرمانهم منها، واعتمادها على قوة التسلط وحده مما يقود إلى تقويض بنائها بسرعة.
لم يُسمع قط على مر التاريخ بقيام الدولة جزافاً، بل قامت من أجل غايات سامية. وليس تسلطاً للمقربين والمممجدين والفاسدين، تُخْضِعُ الشعب لسلطانها بالإكراه. وتبتزه بالرشاوى لصالح اللصوص العاملين خارج القانون.
مروان حبش